وأنت تسير في طريق مطار أخاموك بمدينة تمنراست، تقابلك لوحة إشارة مكتوب عليها "سيلت" التي تبعد عن عاصمة الأهقار بحوالي 100 كلم.
سيلت بعد الاستقلال كانت قرية أو تجمع سكني يقع في تراب بلدية أبلسة. لكن مع توسع المنشآت الاقتصادية والادارية في المنطقة، تمت ترقية سيلت إلى دائرة مباشرة، لتتجاوز بذلك أبلسة في السلم الاداري، دون المرور عبر صنف البلدية. وهكذا أصبحت دائرة سيلت تابعة لبلدية أبلسة وهذه الأخيرة تابعة لدائرة سيلت، و المسافة بينهما تصل إلى حوالي 50 كلم.
لنخرج الآن من المنطق الاداري إلى الواقع الجغرافي ونسمي المنطقة إذن "سيلت – أبلسة". هي منطقة تقع على طريق تمنراست تنزاواتين، ومن هذه المنطقة إلى الحدود المالية تمتد حقول واسعة من الرخام. و"حيث يوجد الرخام يوجد الذهب" كما يشرح لنا عيسى حمو صالح، رئيس قسم تثمين التراث الثقافي والطبيعي لحضيرة الأهقار. وأينما وجد الذهب وجدت آثار الحضارة الانسانية، كما يشرح مدير ديوان الحضيرة نفسها، حمود أمرزاغ.
جبل تنيسا، حيث أول موقعة بين التوارق والجيش الفرنسي - © محمد إيوانوغن
وطبعا أينما وجدت آثار الحضارة الانسانية يوجد حتما الماء، ومن ثمة النشاط الفلاحي عبر العصور. ولعل أهم معلم يدل على الحضارة الانسانية في هذه الصحراء الواسعة، ضريح تنهينان والسوارات الذهبية السبع التي عثر عليها في ذراعها الأيمن عند إستخراج عظامها في عشرينات القرن الماضي، هنا عند مخرج مدينة أبلسة بإتجاه تنزاواتين
وعلى هذه الطريق المعروفة أيضا بإسم طريق الوحدة الافريقية، إلتقينا عمال مناجم الرخام في مصنع تابع لمجمع "حسناوي". للأسف مدير الوحدة غائب والعمال الميدانيون لا يمكنهم الخوض معنا في تفاصيل عملهم هنا، بإستثناء تصنيف قطع الرخام الجاهز للاستعمال المنتشرة في الموقع. فهذا رخام أسود وذاك رخام وردي... أما الحجارة التي نراها على مسافة قريبة فتمثل الرخام الأبيض. المادة الأولية يتم إستخراجها من منجم يستغله مجمع "حسناوي" في إن قزام ومنجم آخر غير بعيد عن المصنع، يقع في أوتول، سنراه في طريق العودة إلى مدينة تمنراست
وسألنا عمال مجمع "حسناوي" عن حقل الرخام الكبير الواقع في بلدة سيلت بالذات والذي وعد وزراء المناجم المتعاقبون منذ 2012 بالإسراع بإستغلاله. الجواب أن هذا المنجم، زيادة عن حجمه الكبير، يحتوي على نوعية رفيعة. إنه الرخام الأزرق، لكن مجمع "حسناوي" لم يحصل على رخص لاستغلال أي جزء من حقل سيلت، ولم تمنح رخص إستغلال الحقل لأي كان لحد الساعة.
هل التراث الأركيولوجي للمنطقة هو العائق؟ هذا السؤال يجيب عنه حمود أمرزاغ، حين يقول "مهمة ديوان الحضيرة الوطنية للأهقار تكمن في تثمين التراث المادي واللامادي للمنطقة في حدود السياسة التنموية للدولة". كما يجيبنا خبراء الأركيويلوجيا الذين إلتقيناهم في متحف الباردو، متأسفين كون رجل الأعمال ينظرون إليهم كمعرقلين للاستثمار. بينما يقول نعيم طويل، رئيس مصلحة التنشيط، في المتحف "نحن لا نعرقل الاستثمار. كلما نطلبه هو أن يتم إخبارنا عند العثور على أي قطعة أو موقع أثري، وحينها نتدخل بإحاطة الموقع بالإسمنت المسلح، وصاحب المشروع يستمر في مشروعه". ويضيف خبير آخر "في بلدان أخرى نجد مدنا كاملة أركيولوجية تم نقلها من مكان إلى آخر قصد الحفاظ عليها دون عرقلة المشاريع التنموية".
وغير بعيد عن بلدتي سيلت وأبلسة، تقع قرى تيت الشرقية والغربية وقرى أخرى فلاحية بإمتياز. وادي تيت يحتفظ بمياهه في شهر جانفي، بينما يصل إلى درجة الفيضان في الصيف. سكان هذه القرى يقطعون الوادي بالسيارات رباعية الدفع، لأنه الحل الوحيد لهم للوصول إلى المدن المجاورة. هم يعرفون الفترات التي يفيض فيها الوادي ولا يغامرون بقطعه أثناءها. مرشدنا يشير لحيوان أسود يراقبنا على مسافة عشرات الأمتار فوق الحجارة، أثناء قطعنا الوادي. "إنه حيوان أكاوكا" يقول عيسى "ولا يمكنك الاقتراب منه. بمجرد فتحك باب السيارة سيختفي".
حيوان أكاوكا الذي يراقب المارة في وادي تيت - © محمد إيوانوغن
تيت محمية بيئية تتميز خاصة بنبات التهمي الذي يستعمل في صناعة الزرابي. وحول هذه النبتة المتوحشة، تنتشر البساتين بكل أنواع الخضر والفواكه. وتنتشر أيضا فوق حجارة وادي تيتن نقوش تدل على الحضارة الانسانية التي مرت من هنا، زيادة على القصص التي يحتفظ بها جبل تنيسا المطل على هذه البساتين، عن المعركة التاريخية التي قادها التوارق ضد الجيش الفرنسي.
محمد إيوانوغن