في بحر الأهداف يرمى الإنسان، باحثا عن طموحاته بين أسطر الأمواج... وككل بداية سنة، تتبلل صفحات كتاب المستقبل، بحبر يرسم طريقا مليء برغبات تنتظر دورها لكي تحقق، فمن منا لم يعلق أهدافه بخرافات البداية، و ما بداية التطور الحقيقي إلا تغيير الذات الداخلية...
والموضوع الذي يطرح الان: بين خرافات البداية، وجمال الأحلام، يترامى الإنسان محاولا أن يوازن بينهما، فنضع الأهداف، والعمل على تطوير الذات، ودور الطاقة الإيجابية في كفة نسميها «أين أمضي»، وسنضع العجز والحيرة، وعدم التقدم، والطاقة السلبية في كفة أخرى نسميها «من أكون»، ونطرح أسئلة، ربما تكون مفتاح ثقل نضيفه للكفة الأحسن!
فبداية، هل عادة تدوين الحديث الذي يدور بين النفس والذات عمل صحيح؟
من الجانب العلمي، يتمحور تركيز الإنسان على ترتيب أفكاره، سواء أفكار أساسية أو عابرة، والتركيز بحد ذاته يترجم إلى ذاكرة العقل الباطني، التي تعمل على إرسال منبهات بشكل مستمر ودائم، وهذه المنبهات هي عبارة عن رسائل تعمل على التحفيز الذاتي بشكل واقعي (أي بشكل يتحمله العقل والمنطق). أما من الجانب النفسي، فتدوين الأحاديث الداخلية هو من خطوات التحقيق الأولى، فرغم التطورات العلمية، يبقى القلم أذكى طريقة لإقناع النفس. كل حرف يكتب هو طباعة على ورقة بيضاء ناصعة، فأما أن يترك الحرف أثرا جميلة، أم أنه يفسد تناغم سمفونية الورقة. كذلك هي الأهداف! كل هدف نضيفه للقائمة، يكون بمثابة حرف في الحياة، لذلك فالقلم الذي يكتب الهدف، إن لم يغمس في محبرة التقوى، كان كسره أولى.
هل نهاية السنة، أو بدايتها الجديدة هو فعلا تحديد للمصير؟
أما علاقة الأهداف بالبدايات، فإنها علاقة روحية، فكما يقال، الهدف هو ما يدفعنا إلى النهوض من الفراش يوميا، كذلك هو أول خطوة نحو حياة أنجح، لكن لا علاقة لليوم والتاريخ وحتى السنة بذلك، وإنما هو متمحور حول اللحظة التي تقرر أنت فيها أن تولد من جديد، أي أن بداية أيامك لا تتغير نسبة لتاريخ ذلك اليوم، بل بدايتها هي يوم تستيقظ وأنت في ذروة الاقتناع، أن اليوم هو لك فقط، فقط حينها ستدرك أن العالم ملك لك، بل وستشعر أن العلم لا يحتويك، وكلما جاهدت أكثر لما تريد، فإنك تشحن قواك الفكرية والنفسية.
يقال إن «إن كان الهدف خاطئا فهو أفضل من اللاهدف»، فهل هذا صحيح؟
غالبا من يسأل العقل الأنا، هل هذا فعلا ما أريد؟، هل هذه هي الطريق المثلى لتحديد مساري؟ إذا طرحت استفسارات مثل هذه في باطن عقلك، فلابد من اعادت النظر في كل خطوة، فالإنسان مخطئ حتى يثبت الصواب، والخطء قد يكون البداية، أي رسم هدف، لا يتعلق بالشخص، أو قد يكون هدفه إرضاء الكل إلا النفس، ومع ذلك يضل أفضل من اللاوجود، بطريقة اخرى، فإن تطوير الذات، والعمل على تنمية النفس، هو طريق صعود بلا نزول، وهنا تلعب الإيجابية دورها، فإن كانت هذه الأخيرة حاضرة، فالإنسان الإيجابي تراه يبدأ من جديد، بدون تكرار أخطاء الماضي، وأكثر تحفيزا مما سبق. وعكس ذلك، أي الإنسان منعدم الإيجابية (أو كما يعرف الإنسان السلبي)، تراه يبدأ من الصفر، وما من قاتل للطاقة والتحفيز، كموت الرغبة، ودفنها تحت تراب ما يسمى الإعادة.
والسؤال كيف أعرف هدفي، وكيف أستمر في تحقيقه؟
ما وجب الحديث عنه، هو اللحظة حين تصبح قائمتك ثقلا على مسارك، وتجعل خطواتك بثقل خطى السلحفاة، هنا تتغير استراتيجية التقدم، وغالبا ما يرجع ذلك إلى عادة سعي الناس نحو رسم أفكار كبيرة على استطاعتهم، وأهداف يصعب تحديدها أو أتباعها، وعادة ما يلجؤون إلى طرائق يستخدمها الآخرون في تحديد أهدافهم، فبغضون أسابيع معدودات، لا يدنو هؤلاء من تحقيق أهدافهم، وقد يستسلم بعضهم حتَّى في منتصف المسار!
وإذا كنت قد تعبت من تحديد الأهداف في كل بداية سنة، وعدم الوصول إليها في نهايتها، فذلك راجع إلى ما قيدت نفسك به، والقيد المتين في حالات كهذه، هو تكليف النفس بما لا طاقة لها به، وتدوين ما يفوق القيم والمحفزات الشخصية، والتي يعتبر فهمها أول خطوة للاستمرار، فقبل معرفة من أنت، وكيف تمضي! حدد أسالبك وخطاك، ودون سعادتك بقلم لا يجف ولا يفنى، وافتح قفص روحك، لتدع عصافير الرغبة تلحن لحن النجاح! والسؤال الأخير، بعد التأكد أن معرفة من أكون، هو أول خطوة لمعرفة أين سأمضي، أين ستضع المفتاح؟ وكخاتمة لموضوع لا يلخص في بضع أسطر، لنترك كل نفس تسبح بين أحرف أهدافها، ولتكن بداية التغير غير محدودة في تاريخ يوم من السنة، بل لتكسر قيودها وتعلن بدايتها يوم تقتنع الذات وتخطي خطوة للأمام، ذلك فعلا هو البداية الجديدة، فاجعلوها عامرة بطموحات تغير حاضركم إلى الأروع، فتحضون بمستقبل لم تحلموا بكتابته حتى، ذلك هو النجاح الحقيقي، فلما الانتظار!
لكحل هديل ياسمين
(Partenariat "LIBERTÉ-Digital"/"Charrette-club")